لم يكن الإبداع يوماً حكراً على جنس معين أو مرتبطاً بسن محدد , فالشخص المبدع هو الذي يُعمِل عقله في كل ما يدور حوله فيتأمل البيئة المحيطة به , يتأثر بها ويؤثر فيها ويتمعن في مواطن الجمال فيسعى إلى جعلها أكثر إشراقاً ويتفكر في المشكلات والعوائق التي قد تواجهه فيجتهد في أن يجد لها حلولاً مبتكرة لأنه لا يعرف اليأس ويعلم جيداً أن قيمة كل إمرئ ما يُحسِن .
يعد “فن المعمار” أحد أشهر فروع المجال الهندسي حيث تم إعتماده كمهنة متخصصة عام 1857 م , وهو أحد المجالات الخصبة التي لا تكاد تخلو من الإبداع حيث يطلق المصمم العنان لأفكاره وخيالاته الجامحة والتي قد تصل إلى حد الجنون في بعض الأحيان .
ومنذ بدء التاريخ كان مجال الهندسة بشكل عام والمعمار بشكل خاص شاهداً على هيمنة الرجال وذلك بسبب تسخيره غالباً لخدمة الأغراض العسكرية , وإن ظل تواجد النساء في هذا المجال على إستحياء حتى نهاية القرن التاسع عشر وبالأخص في أوروبا حينما سمحت بعض مدارس الهندسة المعمارية المتخصصة للنساء بالإلتحاق والدراسة ومنذ ذلك الحين إزداد عدد النساء المتخصصات في مجال الهندسة المعمارية وأصبحن ينافسن الرجال في هذا المجال .
وبالرغم من ذلك فقد سجل التاريخ بعضاً من الصور المشرقة لإبداعات معمارية شاركت في تنفيذها وتصميمها نساء , وسوف نستعرض معاً في هذا الموضوع عدداً من هذه الروائع المعمارية التي شاركت في صناعتها نساء بدءَ من القرن الخامس عشر حتى القرن الحادي والعشرين , ونبدأ جولتنا من أوروبا وتحديداً من فرنسا في القرن الخامس عشر .
الموقع
تقع هذه القلعة في منطقة “وادي لوار” (Loire Valley) شمال غرب فرنسا على ضفة نهر “الشير” بالقرب من قرية “شينونسو” .
سبب التسمية
يرجع سبب هذه التسمية لأنها أول قلعة تم بناءها بالقرب من قرية “شينونسو” ويطلق عليها أيضاً “قصر السيدات” “Castle of the Ladies” , وذلك لأن عدداً من السيدات اللواتي أقمن في هذه القلعة كان لهن دور في بنائها وكذلك في التغييرات التي طرأت على تصميمها حتى أصبحت كما نراها في الوقت الحالي .
سبب البناء
خلال حرب المائة عام والتي نشبت بين المملكة الفرنسية من جانب والمملكة البريطانية من جانب اّخر واستمرت خلال الفترة من 1337م حتى 1453م ــ وكانت بسبب رغبة الإنجليز في إنهاء رحى الحرب الدائرة في فرنسا للسيطرة على العرش ــ نجح الإنجليز في إسقاط عدد من الحصون الفرنسية من ضمنها قلعة صغيرة على ضفة نهر “الشير” وكان يمتلكها اللورد “جين ماركس” (Jean Marques) حاكم منطقة “وادي لوار” .
في عام 1360م تم عقد هدنة بين الجانبين إستمرت تسعة أعوام , ولكن قبل إنتهاء الهدنة قام “جين ماركس” بالتحريض على قتال وطرد الإنجليز وتحالف معه أحد أشهر قادة الجيش الفرنسي ويدعى “برتراند جيكلان” (Bertrand du Guesclin) حاكم منطقة “بريتني” (Bretagne) حيث قام بمطاردة الإنجليز والقضاء على عدد منهم .
عادت الحرب مرة أخرى بين الطرفين وفي عام 1412م قام الإنجليز بالهجوم على منطقة وادي لوار وقاموا بإحراق قلعة شينونسو .
في عام 1434م وبعد الحصول على موافقة من الملك “تشارلز السابع” ملك فرنسا (King Charles VII) قام “جين ماركس الثاني” (Jean II Marques) ــ أحـد ورثة “جين ماركس” ــ بإعادة بناء القلعة ولكن على نحو مختلف عن التصميم الأول فقام ببناء قلعة على الضفة الشمالية للنهر , وقام ببناء برج محصن للحماية في مجرى النهر وربط بينهما عن طريق جسر .
ظل الوضع كذلك حتى عام 1513م إلى أن تراكمت الديون على كاهل “بيبر ماركس” (Pierre Marques) حفيد “جين ماركس الثاني” فاضطر لببيع القلعة لـ”توماس بوير” (Thomas Bohier) الذي كان يشغل منصب مسئول الخزانة .
“كاثرين بريسونيه“ ــ مرحلة إعادة التصميم والبناء
إتفقت “كاثرين بريسونيه” (Katherine Briçonnet) مع زوجها “توماس بوير” على أن يقوما بهدم القلعة وإعادة بناءها من جديد وذلك حتى يضفيا عليها بعضاً من لمسات عصر النهضة , ولكن لم يمض الكثير حتى قرر ملك فرنسا تعيين “توماس بوير” حاكماً على إيطاليا وذلك عام 1513م .
ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1521م أصبحت “كاثرين بريسونيه” هي أول سيدة تتولى لوحدها مسئولية الإشراف التام على تصميم القلعة وإعادة إنشائها , حيث اقترحت إدخال التعديلات التالية على التصميم الجديد :-
- § أن يتم تبديل التصميم القديم , فتصبح القلعة في مجرى النهر ويصبح البرج المحصن على ضفة النهر ويربط بينهما الجسر .
- § ليس هذا فحسب بل قامت كاثرين أيضاً بتغيير شكل السلالم , فطلبت بأن تكون بشكل مستقيم وليس على شكل دائري على عكس ما كان شائعاً في ذلك الوقت .
“ديان دو بواتشي“ ــ مرحلة ربط القلعة بالضفة المقابلة من النهر
بعد وفاة “توماس بوير” وزوجته “كاثرين” قام ملك فرنسا “فرانسيس الأول” (Francis I) بالإستيلاء على القلعة , حيث كان يستخدمها في رحلات الصيد وظل كذلك حتى وفاته في العام 1547م , وتولى من بعده الملك “هنري الثاني” الحكم (Henry II) وقام بإهداء القلعة لمحبوبته “ديان دو بواتشي” (Diane de Poitiers) التي إتخذت من القلعة مقراَ لإقامتها , وطلبت من المصمم الشهير “فيليبير دي لورم” أن يقوم بإضافة التعديلات التالية عليها :-
- §أن يقوم بتصميم جسر مقوس يربط بين القلعة والضفة المقابلة من النهر , فتم بناء الجسر وتم عمل تصميمات هندسية مقوسة تربط بين الأعمدة التي يقوم عليها الجسر , ويبلغ حالياً طول هذا الجسر حوالي ستون متراَ .
- §أن يتم عمل حدائق على ضفتي النهر وأن يتم تزيينها بالأزهار والأشجار , فتم إنشاء أربعة مثلثة الشكل على الضفة الشمالية من النهر وتم إحاطتها معاً بجدار من الحجارة لحمايتها من الفيضان وتعرف هذه الحدائق حتى الاّن باسم “حدائق ديان دو بواتشي” , أما الضفة الأخرى من النهر فتم تزيينها بالأشجار
“كاثرين دي ميديسي“ ــ مرحلة التوسعة وإعادة تصميم الحدائق
بعد وفاة “هنري الثاني” تمكنت زوجته “كاثرين دي ميديسي” (Catherine de Medici) من إجبار “ديان دو بواتشي” على مغادرة القلعة وأضافت إليها التعديلات التالية :-
- كلفت المصمم الفرنسي “برنارد باسيلي” عام 1563م بإعادة تصميم حدائق وتوسعتها فقام بإنشاء حديقتين إضافيتين وأحاط كلاَ منهما بسور من الحجارة , ثم قام بعمل خندق حول جميع الحدائق الثلاثة لتحيط بها مياه النهر من جميع الجوانب .
- في العام 1577م طلبت تركيب سقف علوي مائل من الجانبين (Gallery) وبه نوافذ على الجسر الذي يربط القلعة بالضفة المقابلة من النهر .
- طلبت أن يتم الحفر حول البرج المحصن الموجود على الضفة الشمالية , فتم عمل سور من الحجارة حوله على شكل دائري لتحيط به المياه من جميع الإتجاهات وقامت بالربط بين البرج والحديقة المقابلة على الضفة الشمالية عن طريق جسر صغير
بعض الوقائع والأحداث المتعلقة بهذا المبنى
- §ظلت ملكية هذا الصرح تنتقل من شخص إلى اّخر حتى عام 1913م حيث اشتراه أحد رجال الأعمال ويدعى “هنري مونييه” (Henri Menier) , حيث لا يزال هذا القصر ضمن أملاك عائلته حتى الوقت الحالي .
- §خلال الحرب العالمية الاولى والثانية كان يتم إستخدام الجسر المغطى الذي يربط القلعة بضفة النهر كمستشفى لعلاج المصابين , وأيضاَ للهرب من الجنود النازيين والإختباء في الضفة المقابلة من النهر .
- § تعتبر هذه القلعة أحد أشهر الأماكن السياحية وأجمل القصور في فرنسا والعالم , ويرتادها سنوياً أكثر من مليون زائر من مختلف أنحاء العالم .
ومن فرنسا إلى بريطانيا في القرن الثامن عشر:
الموقع
يقع هذا المنزل في “شارع تشاتام” (Chatham Street) بمدينة “رامس جايت” الساحلية (Ramsgate) شرق مقاطعة “كينت” (Kent) جنوب شرق إنجلترا .
سبب التسمية
نسبة إلى “ماري تاونلي” (Mary Townley) إحدى أوائل سيدات إنجلترا اللواتي تخصصن في مجال الهندسة المعمارية القرن الثامن عشر ومصممة هذا القصر الذي كان من أجمل التحف المعمارية في تاريخ إنجلترا .
سبب البناء
بحلول عام 1770 وبعد زواج “ماري تاونلي” إستقرت هي وزوجها في مدينة “رامس جايت” وكان زوحها يشحعها في عملها ويستثمر أمواله في تشييد المباني التي تقوم هي بتصميمها ثم يقومون ببيعها فيما بعد , وكان من أشهرتصميماتها مجموعة ملاجئ حكومية بميدان “سبنسر” (Spencer Square) تحولت فيما بعد لمجمع سكني كبير .
وبعد جمع الأموال اللازمة أرادت”ماري” أن تبني قصراً صغيراً لها ولأسرتها , فقامت بعمل تصميم مبهر جمع بين الإبداع الفني الذي كان سائداً في “العصر الجورجي” (The Georgian era) والذي كان يلقب بالعصر الذهبي في مجال التصميم المعماري حيث كان التركيز فيه منصباً على الشكل الخارجي للمبنى , وتميزت المباني في هذا العصر بالإتساع وكبر الحجم ووجود سور وحديقة كبيرة تحيط بكل منزل , وبين خصائص التصميم التي كانت سائدة في فترة “الوصاية على العرش الملكي” (The Regency era) , حيث تميزت المباني في هذه الفترة بأنها تركز على الجمال الداخلي للمبنى وطريقة تصميم الغرف والأثاث والديكور الداخلي للمنزل , وانتهى بناء القصر عام 1792 م وأصبح جوهرة مشرقة في قلب مدينة “رامس جايت” .
ومنذ ذلك الحين وأصبحت “ماري تاونلي” من صفوة سيدات المجتمع , حيث كانت تقيم الحفلات التنكرية بمنزلها وتدعو إليها النبلاء الذين كانوا ينبهرون بجمال وروعة تصميم القصر .
وبحلول نهاية القرن الثامن عشر وبعد وفاة ” تاونلي” تبرع أبناءها بالمبنى ليصبح مدرسة حكومية , ويشاع أن الرسام الهولندي الشهير “فينسنت ويليم فان غوخ” كان قد تطوع ليكون مدرساً للرسم بهذه المدرسة وذلك أثناء فترة إقامته بـ “رامس جايت” .
ظل الوضع كذلك وتحديداً حتى حلول الثاني والعشرين من أغسطس للعام 1917 م حينما قامت القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى بالإغارة على مدينة “رامس جايت” وتم قصف المدينة بثمانية وعشرين قنبلة سقطت إحداها على المبنى فدمرته وطمست معه معالم الجمال والذكريات التي كانت شاهدة على هذا الإبداع .
بعض الوقائع والأحداث المتعلقة بهذا المبنى
- §من أشهر الأشخاص الذين قامت “ماري تاونلي” بدعوتهم لمنزلها عام 1820م كلاً من ويليام الرابع ملك إنجلترا (William IV) , ودوقة “مقاطعة كنت” (Kent) , والأميرة فيكتوريا ــ و كانت طلفة في ذلك الوقت ــ وأصبحت فيما بعد ملكة لإنجلترا وتحديداً في العشرين من يونيو لعام 1837 م .
- §بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديداً في عام 1966 أصبح المبنى مهجوراً , وحينها شرع الملجس المحلي لمدينة “رامس جايت” في هدم المبنى وإمشاء محطة بنزين بدلاَ منه , ولكن قام أحد أقارب “ماري تاونلي” ويدعى “جي سي فرلي”(J. C. FARLEY) وكان وقتها يعمل في مجال تجارة الأخشاب بشراء المبنى وقام بإعادة ترميميه حتى أصبح المبنى في الوقت الحالي مقراً رئيسياً لشركة “فارلي للأثاث” (Farleys Furniture) .
ومن قارة أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية والقرن التاسع عشر:
الموقع
يقع الجسر على النهر الشرقي في ولاية نيويورك شرق الولايات التحدة , ويربط بين مانهاتن وبروكلين .
سبب التسمية
يسمي جسر بروكلين نسبة إلى منطقة بروكلين حيث كان للجسر دور كبير في تنمية منطقة بروكلين وإزدهار الحركة التجارية بها في ذلك الوقت .
سبب البناء
من المعروف أن مدينة نيويورك “”New York City تتكون من خمسة مناطق إدارية وهي (Manhattan, Brooklyn , Queens , The Bronx , Staten Island) ونظراً لازدهار الحركة التجارية بمانهاتن في ذلك الوقت فقد كانت تعاني من التكدس السكاني الكبير حيث كان يقطنها مالا يقل عن 800 ألف شخص , أما بقية المناطق الأخرى مثل بروكلين فقد كانت مناطق ريفية تعاني من الركود والفقر وقلة السكان , و تمت إثارة فكرة الربط بين مانهاتن وبروكلين منذ عام 1800م بغرض توفير وسيلة اّمنة لعبور النهر الشرقي ونقل الأفراد والبضائع بين المدينتين , حيث كان ذلك بمثابة الحلم بالنسبة للكثيرين خاصة رجال الأعمال .
البداية ــ “ جون روبلينج الأب“
في شهر يونيه للعام 1869م وبعد موافقة مجلس مدينة نيويورك وسلاح المهندسين العسكريين تم تكليف “جون روبلينج” (John Roebling) بالبدء في إنشاء مشروع الجسر وكان “جون” اّنذاك أشهر المهندسين الذين برعوا في إنشاء وتصميم الجسور المعلقة في الولايات المتحدة الأمريكية , فقام بوضع تصميم للمشروع ولكن أثناء قيامه بمعاينة موقع الإنشاء صدم أحد القوارب المسرعة قدمه في رصيف الميناء فسحقها وأصيب بالتيتانوس وتوفي بعد فترة وجيزة .
ظن الجميع أن المشروع سوف يظل مجرد حبرٍ على ورق , ولكن قبل وفاة “جون” قام بتكليف ابنه “واشنطن” ــ والذي كان يعمل مهندساً أيضاً ــ بحماية سمعة شركتهم وأن يبدأ في تنفيذ المشروع .
“ واشنطن روبلينج الإبن“
أصبح “واشنطن” خلفاً لوالده وتولى منصب كبير مهندسي مشروع إنشاء الجسر وفي الثالث من يناير للعام 1870م بدء هو وفريقه الحفر تحت قاع النهر الشرقي لإنشاء قواعد خرسانية للجسر , كان ذلك عن طريق استخدام “القيسونات” وهي عبارة عن أنابيب أو سلندرات أسطوانية الشكل يتم غرسها جيدا في قاع النهر وبعد تفريغها من الماء ينزل العمال بداخلها للحفر وإنشاء قواعد الجسر , وكان “واشنطن” يضطر للنزول مع العمال بداخل هذه القيسونات للإشراف على أعمال الحفر ومتابعة إنشاء القواعد .
قبل نهاية نفس العام الذي بدأ فيه “واشنطن” إنشاء القواعد أصيب بشلل نصفي وذلك بسبب “داء الغواص” وهو مرض ينتج عن إختلاف الضغط الجوي مما يؤدي لتحلل النيتروجين الموجود في الدم والأنسجة , وهو أيضاً ذات المرض الذي حصد أرواح أكثر من 20 من العمال فأصبح “واشنطن” طريح الفراش وتعرض لقبه كمهندس وسمعة شركته للمخاطر .
“إيميلي روبلنج” ــ زوجة “ واشنطن“
كانت “إيميلي” ((Emily Roebling زوجة “واشنطن” قد درست في صغرها العلوم والرياضيات وشجعها في ذلك شقيقها “جوفرنر” (Gouverneur) الذي كان يعمل مهندساَ مدنياَ في الجيش , وأثناء جولاتها مع زوجها في أوروبا لبحث ودراسة بعض الجوانب الهندسية المتعلقة بالمشاريع التي كان يقوم بتنفيذها والد زوجها , تبلورت خلفية “إيميلي” عن مجال الهندسة المدنية بحكم أنه مجال عمل زوجها وشقيقها أيضاً .
أستغل كثير من منافسي “واشنطن” هذه الفرصة الذهبية وطلبوا من مجلس مدينة نيويورك أن يسند إليهم مهمة إنشاء الجسر , ولكن إصرار “إيميلي” وإستماتتها في الدفاع عن سمعة زوجها وشركته وأنه بإستطاعته إنهاء المشروع أقنع المسئولين بأن يحتفظ “واشنطن” بمنصبه ككبير مهندسي المشروع .
ظل “واشنطن” طريح الفراش في محل إقامته وجسدت زوجته “إيميلي” ملحمة بطولية حيث كانت في البداية تقوم بدور حلقة الوصل بينه وبين المهندسين والعمال فكانت تذهب إليهم يومياً وتقوم بتوجيههم ومتابعتهم وأيضاً كانت تطلع زوجها على تقارير سير العمل .
ونجحت جهود “إيميلي” وتم الإنتهاء من إقامة جميع قواعد الجسر عام 1873م وعزمت “إيميلي” في ذلك الوقت على التعمق في العلوم الهندسية , فدرست التصميم الهندسي وإنشاء الأبراج المعلقة وكان يساعدها ويشجعها على ذلك زوجها , ودرست أيضاً مستويات متقدمة في الرياضيات وكذلك الخواص الفيزيائية للمعادن وكيفية العمل على زيادة صلابتها حتى أصبحت تناقش زوجها وتراجعه في بعض النواحي الفنية الخاصة بالمشروع .
ومن هنا بدأت “إيميلي” في تولي زمام الأمور فاضطلعت بمسئوليات كبير مهندسي المشروع حيث قامت بمتابعة وتوجيه العمال وفريق المهندسين وكان يساندها في ذلك زوجها وهو طريح الفراش , ونجحت إيميلي في الإنتهاء من البرجين الرئيسيين للجسر وكذلك تم مد أربعة كابلات حديدية أعلى كل منهما لربطهما معاَ ومن ثم تثبيت نهايات هذه الكابلات بشاطئ كلا المدينتين لتكون دعامة قوية لتثبيت الجسر ضد الرياح والأعاصير ولتزيد من صلابته وقوة تحمله .
لم يتوقف إبداع “إيميلي” عند هذا الحد حيث قامت بعمل تعديل بسيط على التصميم المبدئي للجسر والذي قام بوضعه والد زوجها , فقد إقترحت أن يتم زيادة إرتفاع الجسر من المنتصف حتى لا يعيق مرور السفن في المستقبل , وقد لاقت هذه الفكرة تأييد الجميع .
في شهر مارس للعام 1879م بدأ العمل على إنشاء وتركيب الممرات الخاصة بالمشاة السيارات والقطارات , ففي البداية كان الجسر مصمماً ليستوعب حمولة ألف 18 وسبعمائة طن , وكان مكوناً من سبعة طرق رئيسية على النحو التالي أربعة خطوط للقطارات (إثنان في كل إتجاه) وطريقين للسيارات (واحد في كل إتجاه) بالإضافة إلى ممر واحد علوي للمشاة وقائدي الدراجات الهوائية , ولكن في الوقت الحالي فقد تم إدخال عدة تعديلات على التصميم ليشمل ستة ممرات للسيارات وممرين للمشاة وتم إيقاف خطوط القطارات على الجسر .
وفي بداية عام 1883م تم الإنتهاء من إتمام المشروع وقامت “إيميلي” وجميع العاملين بوضع اللمسات النهائية على التحفة المعمارية التي إستغرق العمل فيها خمسة عشر عاماً متواصلة تخللها الكثير من الكفاح والتضحيات حتى ترسخ في أذهان الكثيرين بأن “إيميلي روبلينج” هي كبير مهندسي مشروع إنشاء جسر بروكلين .
وفي اليوم المشهود وهو الثالث والعشرين من مايو لعام 1883م , وفي إحتفالية مهيبة حضرها الرئيس الأمريكي “تشستر آرثر” (Chester Alan Arthur) وعمدة مدينة نيويورك “جروفر كليفلاند” وبحضور أكثر من 14 ألف مدعو من السياسيين وكبار رجال الدولة تم إفتتاح جسر بروكلين في مشهد مهيب , وكانت لحظة التكريم لـ” إيميلي روبلينج” حيث قام كلاً من الرئيس الأمريكي وعمدة مدينة نيويورك بتقديمها لتكون أول من يعبر هذا الجسر عرفاناً بعظيم صنيعها وتقديراً لدورها البطولي في إنجاز هذا الصرح المعماري الذي أذهل العالم برونقه , وأصبح أحد المعالم التاريخية والوطنية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية .
بعض الوقائع والأحداث المتعلقة بهذا الجسر
- §في عام 1884 أراد أحد المخرجين المسرحيين ويدعى “فينياس تايلور بارنوم” إختبار صلابة الجسر وقوة تحمله فقام بعبوره وبصحبته قطيع من إحدى وعشرين فيلا .ً
- §في عام 1885 قام أحد أشهر مدربي السباحة ويدعى “روبرت أودلام” بالقفز من أعلى جسر بروكلين بغرض تحطيم رقم قياسي في القفز من الأماكن المرتفعة وتحقيق الشهرة ولكنه لقي حتفه .
- §في العام 1895 قامت سيدة وتدعى “كلارا ماك اّرثر” بأول قفزة حرة من على سطح الجسر , حيث وضعت في جواربها ما يعادل “20″ رطلاً من الرمال وقفزت حتى تضمن أنها ستسقط في الماء على قدميها وقد نجحت بالفعل .
- §في عام 1860 قام شخص مخمور يدعى “إد كويجلي” بمراهنة زملائه السكارى على نفسه بـ 100 دولار بأنه يستطيع القفز من أعلى الجسر , وقد إستطاع القفز وفاز بالرهان
- §في عام 1974 قام شاب يعمل في أحد المطاعم ويدعى “جيمي ويبير” بمحاولة تقليد “سبايدر مان” وأنه باستطاعته التسلق والركض فوق الكابلات التي ترتفع عن سطح الجسر حوالي “120″ قدماً , وقد قامت شرطة نيويورك بالقبض عليه بعد مطاردة مثيرة
- §في عام 1974 قام أحد الأشخاص ويدعى “ماريو مانزيني” بالتنكر على هيئة مغني الروك الشهير “إلفيس بريسلي” , وقام بربط يديه بالقيود لكي يقفز من فوق الجسر , وزعم بأنه يستطيع فك القيود بنفسه قبل أن يغرق ولكن تمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه وتم إيداعه إحدى المصحات العقلية .
ولا نزال في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بداية القرن العشرين:
الموقع
يقع “فندق لافاييت” في قلب مدينة “بافلو” (Buffalo) بمقاطعة “إيراي” (Erie County) إحدى مقاطعات “ولاية نيويورك” (New York state) .
سبب التسمية
أطلق عليه هذا الإسم لأنه إنشئ في ميدان “لافييت” (Lafayette Square) , وأيضاً تخليداَ لذكرى القائد الفرنسي “مارك دي لافاييت” (Marquis de Lafayette) ودوره البطولي في حرب الإستقلال التي خاضتها أمريكا ضد المملكة البريطانية خلال الفترة من 1775 م حتى 1783 م , هذا وقد تم تصميم الفندق على الطراز الفرنسي المستوحى من عصر النهضة .
سبب البناء
في عام 1897 قامت إحدى أكبر الشركات الأمريكية وتدعى “شركة عموم أمريكا لتنظيم المعارض” (The Pan-American Exposition) بالإعداد لتنظيم أول وأكبر معرض دولي في البلاد , وتم إختيار مدينة “بافلو” لتكون مسرحاً لهذا الحدث الدولي , وكان من المقرر أن يبدأ المعرض في الأول من مايو 1901م , وأن ينتهي في الثاني من نوفمبر في نفس العام .
أراد مسئولو الشركة إستغلال فترة إنعقاد المعرض وقرروا إقامة فندق كبير بجوار موقع الحدث لتيسير إقامة الزائرين وليكون مصدراً لزيادة الربح في نفس الوقت , فقاموا بشراء كنيسة صغيرة مغلقة تقع على ناصية شارعي “كلينتون” و”واشنطن” وقرروا هدمها وإقامة الفندق بدلاً منها .
في البداية تم تكليف أحد المهندسين المعماريين ويدعى “هنري كوب” (Henry Cobb) بتصميم المبنى فقام بعمل تصميم مكون من عشرة أدوار وطلبوا منه أن يحتوي الفندق على 315 غرفة على الأقل , وأن يتم تسليم المشروع في الأول من إبريل 1901م أي قبل فترة إقامة المعرض .
بعد حفر الأرض ووضع جدران الأساس تعثر المشروع فتم تكليف شركة إنشاءات معمارية أخرى بإعادة التصميم , وفي ذلك الوقت كانت “لويز بيثيون” (Louise Bethune) أول إمرأة أمريكية تحصل على لقب مهندسة معمارية محترفة وكان عمرها 25 عاماً , وقامت هي وزوجها “روبرت” وأحد أصدقائهم ويدعى “ويليام فوكس” (William Fuchs) بافتتاح شركتهم الخاصة للإنشاءات المعمارية في مدينة “بافلو” وأطلقوا عليها إسم (Bethune, Bethune & Fuchs) .
في الأول من يوليو لعام 1900م تم تكليف شركة (Bethune, Bethune & Fuchs) بإعادة تصميم المشروع , فقامت “لويز بيثيون” بإعادة تصميم المشروع بعد أن قامت بعمل الاّتي :-
- تقليص عدد أدوار الفندق من عشرة أدوار إلى سبعة .
- استوحت نموذج التصميم من عصر النهضة الفرنسي , فكان البناء على شكل مستطيل تم فيه إستخدام الطوب الأحمر والحديد المزخرف والفخار المصبوغ بالعاج الابيض .
- قامت باستخدام الحديد الصلب والخرسانة المسلحة في بناء جسم الفندق .
تم إفتتاح الفندق في الاول من يونيو لعام 1904 م وكانت التكلفة المبدئية للإنشاء تتجاوز المليون دولار ساهم في تمويلها عدد من المستثمرين , وكان الفندق وقتها مكوناً من سبعة طوابق وبه 283 غرفة منها 105 غرفة تحتوي على أحواض إستحمام , كما تم أيضاً تشييد جناح ملكي لكبار الزوار , حيث تمت الإستعانة في ذلك بإحدى شركات الديكور المتخصصة (Duryea & Potter) .
وتم تزويد الفندق بأنظمة حديثة لمكافحة الحرائق , بالإضافة إلى صنابير للمياه الساخنة والباردة وخطوط تليفونات , وكان بالفندق ثلاثة قاعات للطعام “القاعة الخارجية” وهي قاعة الطعام الرئيسية , و”القاعة الداخلية” وتسمى أيضاً “القاعة الذهبية” , وأخيراً “قاعة المشويات” وهي تطل على شارع “كلينتون” , كما تم تصميم مقهى وصالة بلياردو بالإضافة إلى كوافير للسيدات .
بعض الوقائع والأحداث المتعلقة بهذا المبنى
- § في شهر إبريل2010 تم إغلاق الفندق وللمرة الاولى في تاريخه منذ أن تم إفتتاحه قبل أكثر من مائة عام بسبب بعض المشاكل وذلك في الضرائب والتي تمت تسويتها لاحقاً وأعيد إفتتاح الفندق في شهر أغسطس من نفس العام .
- § وفي الوقت الحالي وبعد أعمال التوسعة والترميم التي انتهت حديثاً في مايو 2012 وتكلفت أكثر من 42 مليون دولار , فإن الفندق يحتوى على ما لا يقل عن 400 غرفة جيعها مكيفة الهواء وقاعة للباليه بالإضافة إلى أحدث تصميمات الديكور الداخلية .
- § يعتبر هذا الفندق أحد أجمل الفنادق في أمريكا والعالم وهو مدرج في “السجل الوطني الأمريكي للأمكان التاريخية” كأحد أقدم وأهم المباني في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
ومن الولايات المتحدة الأمريكية إلى قارة أوروبا مرة أخرى وتحديداً في أسبانيا والقرن الحادي والعشرين
الموقع
يقع هذا الجسر في مدينة “زاراجوزا” (Zaragoza) والمسماة أيضاً بـ”سرقسطة” عاصمة إقليم “زاراجوزا” في شمال أسبانيا .
سبب التسمية
سمي بهذا الإسم لأن واجهة الجسر تشبة الماسة المقلوبة , حيث تتكون الماسة من جزئين رئيسيين هما “التاج” (Crown) وهو الجزء العلوي و”الجناح” (pavilion) وهو الجزء السفلي المدبب .
سبب البناء
في السادس عشر من ديسمبر عام 2004 قامت “الهيئة الدولية للمعارض” (Bureau International des Expositions) ــ وهي منظمة حكومية دولية مقرها باريس وتشرف على تنظيم فعاليات معرض “إكسبو الدولي” ــ بترشيح مدينة “زاراجوزا” الأسبانية لإستضافة معرض “إكسبو 2008″ والذي كان تحت عنوان “المياه والتنمية المستدامة” .
وحتى يتوافق عنوان المعرض مع مكان إقامته تم الإتفاق على إقامة المعرض على إمتداد نهر “إبرو” (The Ebro River) ثاني أطول نهر في أسبانيا , وتم الإعلان عن مناقصة لتصميم وإنشاء جسر على هذا النهر ليكون مدخلاَ للمعرض وليربط مدينة “لالموسارا” (La Almozara) وضواحيها بمكان إقامة المعرض على الضفة المقابلة من النهر .
وقع الإختيار على التصميم الذي قامت برسمه المهندسة المعمارية المبدعة والعراقية الأصل “زها حديد” , حيث قامت بعمل تصميم مبتكر لجسر مغطى يبدو من الاعلى وكأنه “زهرة الزنبق” التي تطفو على سطح النهر .
يبلغ طول الجسر 270 متراَ ويتكون من أربعة مقصورات , المقصورة الرئيسية وهي التي تربط بين ضفتي النهر بالإضافة إلى مقصورتين جانبيتين على نفس الإرتفاع ومقصورة صغيرة علوية وتم إستخدام هذه المقصورات الثلاث كمعرض داخل الجسر .
تم الإنتهاء من بناء الجسر عام 2008 وعند إفتتاح المعرض كان يقدر عدد الأشخاص اللذين يترددون على الجسر بمالا يقل عن عشرة آلاف شخص في الساعة , ويعتبر الجسر الآن أحد أشهر معالم مدينة “زاراجوزا”.
بعض الوقائع والأحداث المتعلقة بالجسر
- §فازت “زها حديد” بجائزة “بريتزكر” (The Pritzker Architecture Prize) في عام 2004 عن تصميمها المميز لهذا الجسر , وتعد جائزة “بريتزكر” أرفع جائزة على مستوى العالم يتم منحها سنوياَ في مجال الهندسة المعمارية وقد كانت “زها حديد” في ذلك الوقت أول وأصغر إمرأة تحصل على هذه الجائزة .
- § على هامش فعاليات معرض “إكسبو 2008″ , تمت إقامة معرض داخل مقصورات الجسر وكان تحت عنوان “الماء ــ موردٌ فريد” .
وللإطلاع على مزيد من أعمال وتصميمات المهندسة المعمارية “زها حديد” يمكنكم الدخول على الرابط التالي :
0 التعليقات: